Saturday, February 20, 2010

الحاكم الظالم

بلاد مسلمين كتير بتعانى من حاكم ظالم وفاسد طامع فى متع الحياة الدنيا وكانه مخلد وسيعيش ابد الدهر وتركيز السلطة والمال فى يد فئة قليله من المقربين وفساد ورشوة ومحسوبية وحياة ترف وبذخ لهم لا حدود لها تزيد حالة الاحتقان والغليان وفى جانب اخر نجد الاكثرية والعامة تعيش فى ظلم وقهرو فقر مضجع وذل ومهانه للحصول على لقمة العيش فى ظل تفاوت كبير ورهيب فى الثروات ومستوى الدخل فالثراء ثراء فاحش لعدد محدود والفقر فقر مضجع للاكثرية والعامة

وبما ان انا بحب التاريخ جدا وحكاياته ومؤمن بالمثل الشعبى اللى بيقول التاريخ بيعيد نفسه بس المهم نعرف ونتعظ فقلبت فى التاريخ لحد مالاقيت فتره زمنيه فى حياة المسلمين فيها شبه كبير من الوضع الحالى وهى فترة حكم اخر الخلفاء العباسيين المستعصم بالله

اسمه

المستعصم بالله أبو أحمد "المستعصم بالله" عبد الله بن منصور المستنصر
1213 - 1258

وصفه
وصفه المؤرخ ابن طباطبا بقوله : "كان مستضعف الرأى ضعيف البطش قليل الخبرة بالمملكة مطموعا فيه ، وكان زمانه ينقضي فى سماع الأغاني و التفرج على المساخر.. وكان اصحابه مستولين عليه ، وكلهم جهال من أراذل العوام"
وابن كثير يتفق مع ابن طباطبا فى رأيه، يقول عن الخليفة المستعصم بالله : " كان محبا لجمع المال ، ومن ذلك أنه استحل الوديعة التى استودعها اياه الناصر داود المعظم ، وكانت قيمتها نحوا من مائة ألف دينار ، فاستقبح هذا من مثل الخليفة". أى أن الخليفة مع كل ما يملك من أموال خان الأمانة المالية التى استحفظه عليها الناصر داود الأيوبى، فأخذها لنفسه
انجازاته

نهم كبير للمال بشكل مسعور وحرص شديد عليه

فحرصه الشديد للمال عرض الخلافة للخطر حين هددها المغول اذ انه قطع عن الجنود ارزاقهم فى وقت هو احوج ما يكون اليهم فيه

يقول ابن كثير انه " صرف الجيوش ومنع عنهم ارزاقهم حتى كانوا يتسولون على ابواب المساجد وفى الاسواق وأنشد فيهم الشعراء قصائد يرثون لهم ويحزنون على الاسلام وأهله
فى الناحية الاخرى اسرافه الشديد فى الانفاق على خدمه واتباعه من الظلمة الذين يأكلون أموال الناس ، وكان أولئك الخدم من الجهال واراذل العامة و المماليك الذين صعد بهم الزمن الردئ ، فى عصر انحلال الدولة العباسية ، فاحتكروا الثروة بينما عاش العلماء والاشراف يتضورون جوعا
امثله لبعض المقربين من المستعصم الذين تم الاغداق عليهم بالاموال
علاء الدين الطيبرسي الظاهرى ، كان دخله من أملاكه نحو 300 ألف دينار، وكانت له دار لم يكن ببغداد مثلها ، وحين تزوج دفع صداقا قدره 20 الف دينار .. ووهب له الخليفة المستنصر ليلة زفافه 100 الف دينار، وألحقه بأكابر الدولة ، ومنحه ضيعة كانت تدر له دخلا يزيد على 200 الف دينار سنويا

مجاهد الدويدار ، قيل عن أملاكه : إنها كانت "مما يتعذر ضبطه على الحساب".. وفى ليلة زفافه حصل على هدايا من الجواهر والذهب ما يزيد على 300 الف دينار ، وكان ايراده السنوي من مزارعه وأملاكه اكثر من 500 الف دينار، وكان ايراده السنوي من مزارعه اكثر من 500 الف دينار

عبد الغني بن فاخر ، شيخ الفراشين فى قصر الخلافة ، كانت داره تشمل عدة حجرات ، وفى كل حجرة جارية وخادمة وخادم، ثم رتب لكل جارية عملا ، فواحدة لطعامه ، واخرى لشرابه ، واخرى لفراشه ، واخرى غسالة واخرى طباخة..
فقر مضجع لعامة الناس

فى المقابل كان أعظم العلماء وقتها لا يتقاضى احدهم اكثر من 12 دينار شهريا فحسب، وذلك هو المرتب الذى كان يأخذه علماء المدرسة المستنصرية ـ أعظم المعاهد العلمية فى ذلك العصر
وابن الفوطى وابن الساعي اشهر مؤرخى هذا العصر كان كلاهما يأخذ راتبا شهريا قدره عشرة دنانير
الفساد والرشوة والانحلال الاخلاقى

فى عهده تفشت الرشوة وكثرت مصادرة الأموال وتفاقمت الاضطرابات الداخلية مع الانحلال الخلقى والانشغال بالتوافه عن الخطر الذى يدق الابواب
يقول الغساني صاحب كتاب "العسجد المسبوك" يصف السلطة العباسية فى أواخر أيامها (واهتموا بالاقطاعات و المكاسب ، وأهملوا النظر فى المصالح الكلية ، واشتغلوا بما لا يجوز من الأمور الدنيوية ، واشتد ظلم العمال – اى الولاة - واشتغلوا بتحصيل الاموال . و الملك قد يدوم مع الكفر ، ولكن لا يدوم مع الظلم
نهايته

يقول الهمذاني فى كتابه : "جامع التواريخ" ان هولاكو بعد ان اقتحم بغداد دخل قصر الخلافة وأشار باحضار الخليفة المستعصم فلما جىء به اليه قال له هولاكو متندرا: "أنت مضيف ونحن الضيوف فهيا احضر ما يليق بنا" فأحضر الخليفة المستعصم بالله وهو يرتعد من الخوف صناديق المجوهرات والنفائس ، فلم يلتفت اليها هولاكو، ومنحها للحاضرين وقال للخليفة: "إن الأموال التى تملكها على وجه الأرض ظاهرة ، وهى ملك لعبيدنا ، لكن اذكر ما تملكة من الدفائن ما هى وأين توجد ؟"فاعترف الخليفة بوجود حوض مملوء بالذهب فى ساحة القصر، فحفروا الأرض حتى وجدوه ، وكان مليئا بسبائك من الذهب الاحمر تزن الواحدة مائة مثقال" . واستحق الخليفة المستعصم بالله احتقار هولاكو السفاح الدموى ، اذ تعجب هولاكو كيف يكون للخليفة كل هذه الكنور ثم يبخل على الجنود بأرزاقهم وهو فى أشد الحاجة لهم ؟!!
الهمذاني وهو يروى ذلك اللقاء بين هولاكو و الخليفة المستعصم فى قصر الخلافة فيقول :"إن هولاكو أمر باحصاء نساء الخليفة فبلغن سبعمائة زوجة وسرية و ألف خادمة.. وتضرع له الخليفة قائلا : منّ علىّ بأهل حرمي اللائي لم تطلع عليهن الشمس و القمر .."أى تضرع له أن يترك له نساءه اللواتى حبسهن فى قصوره بحيث لم تكن تراهن الشمس ولا يراهن القمر. وبالطبع فقد فرقهن هولاكو على جنده وقادته، بعد ان أمر جنوده بقتل الخليفة المستعصم رفسا بالأقدام لأنه عندهم أحقر من أن يقتلوه بالسيف كما يقتلون الرجال
يقول الهمذاني ايضا: "وقصاري القول أن كل ما كان الخلفاء العباسيون قد جمعوه خلال خمسة قرون ، وضعه المغول بعضه على بعض فكان كجبل على جبل".أى إن المال السحت الذى سلبه الخلفاء العباسيون ظلما وعدوانا ـ وكان يسمونه عدة الخلافة ـ قد ورثه المغول أكواما وأطنانا من الذهب والجواهر. وبسبب ذلك الكم الهائل من الكنور الذهبيةالتى ورثها هولاكو من الخليفة العباسي ، فإنه صهرها جميعا فى سبائك وأقام لها قلعة محكمة فى أذربيجان

اليقين

يقينى هنا فى كلمة الغسانى الملك قد يدوم مع الكفر لكن لا يدوم مع الظلم
قال تعالى "واذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها، ففسقوا فيها، فحق عليهم القول فدمرناها تدميرا
.أى أمرناهم بالعدل فردوا بالفسق والظلم والعصيان فنزلت بهم العقوبة الالهية بالتدمير، فلا يمكن ان يحل التدمير الا اذا استشرى الظلم

يقول تعالى وماكان ربك ليهلك القرى بظلم واهلها مصلحون

أساس انهيار الدول يبدأ من الداخل وقد يأتي تدخل خارجي ليعجل بالسقوط ولكن يظل الانهيار الداخلى هو الأساس.ويأتى الانهيار الداخلى حين تتكون طبقة مترفة تتحكم فى الثروة وفى السلطة فتنشر الظلم والفساد والانحلال وتحيل حياة الأكثرية الى جحيم تهون فيه الحياة، ويتضاءل معه الفوارق بين الموت والحياة. والقرآن الكريم يضع العلاج فى تشريعاته الاقتصادية التى تمنع تركز المال فى يد فئةقليلة ويأمر فى الوقت نفسه بالانفاق فى سبيل الله،بل يأتي الأمر أحيانا فى صورة التهديد
كقوله تعالى : "وانفقوا فى سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة واحسنوا ان الله يحب المحسنين

وانا باقول لكل حاكم ظالم ورفاقه مصيركم مزبلة التاريخ و نهايتكم باذن الله كمثل نهاية المستعصم بالله وزبانيته وامثاله فهذا وعد الله وجزاء كل ظالم